فكرة الموت أصبحت تطاردنى...
طوال أعوامى العشرين لم أهتم بأى شيئ..أى شيئ على الأطلاق..أثمل و أدخن وأستمتع بحياتى..
وفى يوماً ما كنت ثملاً كالعاده وانا وصديقى وقررنا أن نقود السياره قليلا...
سرعه مجنونه..الأرض زلقه..لذلك كما توقعتم أنقلبت السياره...
أستيقظت بعد الحادث لأجد نفسى فى المستشفى..,لم أصب الا ببعض الكسور..أما صديقى فقد توفى..
عندها تغيرت حياتى كليا..
لم أعد أدخن..ولم أعد أثمل وبدأت أصلى وأقرأ كل هذا لأهرب من فكرة الموت لأن ماحدث بعد موت صديقى كان سيئا بالفعل..
لم يحزن أحد عليه..حتى عائلته وحبيبته و أصدقائه الأخرون..,فى كل مره أسئل أحدهم هل تتذكر(هشام)؟؟يضحك ويقول من (هشام) هذا؟؟ الجميع نسوه سريعا لم يحزن عليه سواى على الرغم من كل شيئ...
ومن هنا أصبحت فكرة الموت تطاردنى...
أريد أن أعرف من سيبكى علىَ حقا عندما أموت..؟ من سيتذكرنى ومن سينسانى سريعا..
من سيتوقف عن مضغ الطعام لثوانى عندما يتذكرنى..من سيفرح؟؟ من سيحزن؟؟ من سيندم لأنه لم يخبرنى بأنه يحبنى؟؟ هل عائلتى ستتذكرنى دائماً أم أننى سأظل مجرد أسماً كان موجودا يوماً ما...
* * *
أذهب الى الجامعه والحزن أصبح سيداً لحياتى لسببين..
أولهما أننى يوما ما سأموت دون أن أعرف..لن أعرف من سيحزن عليَ حقا ومن سيفرح..؟والسبب الثانى هو أن لا أحد يتذكر صديقى الجميع كانو ينافقوه..حتى أننى بدأت أعتقد أن أهله أنفسهم كانو ينافقوه..
تأتى لى فتاه وتتحدث معى ومن الطريقه التى تتحدث بها وتنظر بها الى عرفت أنها تحبنى...لم ألحظ هذا من قبل..,ولكنى لا أهتم بأى شيئ الأن حتى الحب..
* * *
أبى يرانى وأنا أجلس وحيدا يأتى بجانبى ويتحدث معى ويريد أن يواسينى..يخبرنى بأننى يجب أن أتابع حياتى..ويعطينى الكثير من المال ويخبرنى أن أذهب لأنفقه كله فأبتسم له فى حزن فيبتسم لى ويترك المال بجانبى...أنا لا أريد الحب ولا المال ولا اى شيئ أخر كل ما أريده هو طريقة تجعلنى فى ذهن الناس دائماً بمعنى أخر أن أريد أن خالد فكرياً وبالنسبه للذى أريده هذا الحب والمال بجانبه لا يساويان شيئاً...
أهرب من واقعى عن طريق الرسم...
أصبحت أرسم لوحات حزينه للغايه وفى كل لوحه أجد وجه صديقى أرسمه دون ملاحظتى..مره أرسم الموت وهو يجلس معى ان وصديقى فى السياره ومرة أخرى أرسم الموت فاتحاً ذراعيه للجميع والجميع يذهبون نحوه فى كأبه..
يجب أن أجد طريقة لأهرب من كل هذا...
* * *
جاء لى الحل عن طريق أحد الأعلانات الموجوده فى أحدى الجرائد الكبرى...
لا اعرف ماذا حدث ولكنى لمحت ذلك الأعلان فجذبنى لأننى دائما أضعف امام قليلو الكلام...,الأعلان يقول (أى مشكله تواجهها حلها يوجد عندنا مع الدكتور (حازم أبراهيم) خبير علوم الفلك والأبراج العنوان شارع الزهور المبنى رقم 31 الدور الرابع بال(...)
لما لا على كل حال ليس لدى أى شيئ لأخسره لأجرب ماذا سأخسر بأى حال بعض المال لدى الكثير منه....
حلقت ذقنى..أرتديت بعض الملابس الجديده..أخذت سيارة أبى وذهبت الى العنوان...
قبل أن أصعد تخيلت منظر الشقه الموجود بها هذا الدكتور...يعلق بعد نجوم البحر و فراء بعض الحيوانات على الحائط..,يشعل البخور طوال الوقت أى انه لن يختلف الوضع كثيرا عن أى شيخ مجذوب لديه غرفه صغيره فى مكان حقير الفرق هنا هو ان الدكتور (حازم) يستخدم ماله وبعض العلم ليكسب المال اما اى شيخ يستخدم بعض النصب ليحصل على بعض المال...فى الحالتين يريدون المال ولكن لا بأس بهذا انا ذاهب أليه ليخدعنى...
ولكن البدايه لم تكن مبشره الشقه كانت تشبه عيادات الأطباء النفسيين لم يكن هناك شيئ من الذى توقعته...بداخل تلك الشقه كان هناك مكتب و مقعدين وتجلس خلف المكتب فتاه حسناء وما أن رأتنى فبتسمت وأشارت الى بيديها لأجلس أمامها...لم أتحدث هى التى تحدثت وطلبت منى بعض البيانات ولم تطلب ثمن للمقابله نظرت لها فى تعجب ففهمت ما أقصده وقالت لى نحن ماذلنا فى البدايه لذلك الدكتور (حازم) يفعل هذا بدون مقابل كبدايه ليس أكثر... وأكملت قائله حسنا والأن يمكنك أن تدخل...
دخلت فوجدت رجلاً فى منتصف الخمسينات لديه نظره متعبه كأنه يقول لى لقد رأيت كل شيئ لن تبهرنى...
جلست أمامه ثم قال لى الأن حسناً يا(كريم) ماهى المشكله؟؟؟ لم أسئله بالطبع كيف عرفت أسمى لأننى منذ دقيقه تقريبا أعطيت لتلك الفتاه بياناتى فلم أنبهر...دخلت للموضوع سريعاً وقلت له..:فكرة الموت أصبحت تطاردنى منذ توفى صديقى...انا لست ابحث عن الخلود المادى أنا أبحث عن الخلود الفكرى أريد أن أظل خالداً فى عقول أهلى و أصدقائى لا أريد أن ينسانى الجميع لا أريد أن أكون كصديقى عندما توفى الجميع نسوه فى لمحة بصر أى أننى أتمنى أن يتذكرنى الأخرون...
ظل صامتا لبضع ثوانى ثم قال لى حسناً أنتا تريد أن يتذكرك الأخرون...حسناً تذهب غداً الساعه الثانيه صباحاً الى المقابر التى منزلك يطل عليها (ولا أعرف كيف عرف هو أين أسكن مع أننى لم أخبره)وتمشى عشرين خطوة بالضبط وتبدأ بالحفر ستجد كيساً قماشياً مدفوناً لا تفتحه الا فى منزلك وأعدك أنك ستجد سر خلودك الفكرى الذى تبحث عنه...
قلت له هل تسخر منى؟؟؟كنت متوقعا هذا ستخبرنى بأن بعض الجان دفنو فى المقابر سر الخلود والشخص المحظوظ من سيجده الذى هو انا...نظر لى نظره لم أنساها طوال حياتى وقال بصوت هادئ للغايه أذا أردت أن تصدقنى أو تكذبنى فهذا شأنك أنا لم أخذ منك أى مال وأيضا اذا ذهبت او لم تذهب فى الحالتين لن تفيدنى بأى شيئ...
فرحلت من دون أى كلمه...
* * *
الساعه الواحده والنصف صباحاً...
التوتر والقلق يسيطران على اعماقى..هل أذهب؟؟ لما لا أنا لن اخسر شيئاً ولكن ماذا كان الأمر كله مجرد خدعه..او أن هذا الرجل يريد أن يسخر منى..,لا أعرف انا على وشك الجنون..
الساعه الواحده وخمسة وأربعون دقيقه..
لم أصل لقرار بعد والوقت يمر بسرعه شديده...,حسناً سأذهب لن أخسر أى شيئ..
المقابر..
انا مجنون لأننى قد قررت النزول فى هذا الوقت الى أكتر مكان مرعب على وجه الأرض..وهل هناك شيئ يثير الخوف فى البشر غير المقابر..,كلب أسود كبير للغايه ينظر ألي فألتقط حجر و قذفته به فأختفى لا أعرف كيف..اتذكر ماقاله لى دكتور (حازم) عشرين خطوه بالضبط ثم أبدأ فى الحفر..
1..2..3..4..5..6..7....20
حسناً أعتقد أن هذا المكان..
بدأت الحفر وقلبى يعزف لحناًً مدوياً للغايه فلا اسمع اى شيئ..,كيساً قماشياً متين للغايه ويبدو أنه مدفون من زمن لم أنظر أليه أكثر من ثلاث ثوان ثم وضعته فى جيبى وركضت كما لو أن الجحيم يطاردنى..
صعدت المنزل ألقيت الكيس على اول مقعد قابلته وثم سقطت على الأرض لألتقط أنفاسى..أنظر للساعه اجدها الساعه الثانيه والنصف اللعنه نصف ساعه مرت بكل هذه البساطه..
ألتقط أنفاسى ونظفت نفسى جيداً ثم أعددت لنفسى كوباً من الشاى وأحضرت الكيس...كان ثقيلاً نسبياً فتحته بحذر وانا أشعر بأننى سأجد جمجمه أدميه بداخلها ولكن حمداً لله لم يكن هناك شيئاً كهذا..لقد وجدت كنزاً...
وجدت علبة صغيره موجود بداخلها الكثير من الذهب والماس..وصورة لفتاه تضحك فى رقه..ولكن مهلاً لحظه أنا أعرف تلك الفتاه..
سمراء قليلاً يتطاير شعرها من أقل نسمة هواء..أنها (نور) تلك الفتاه من جامعتى التى اعتقد أنها تحبنى..نعم أنها هى وكان هناك على بعض الصوره بعض الكلمات مكتوبه بخط منسق للغايه..
(تزوجها أنها حقاً تحبك..أنت أردت الخلود والخلود لله وحده واذا أردت أن يتذكرك الناس عاملهم جيداً وتربى ابنائك على العمل الصالح هكذا سيتذكرونك)